dimanche 10 août 2014

الأصول العشرين لفهم الإسلام للإمام حسن البنا رحمه الله أرجو التثبيت



الأصول العشرين لفهم الإسلام للإمام حسن البنا رحمه الله أرجو التثبيت


كيف نفهم الإسلام
نفهم الإسلام فى حدود هذه الأصول العشرين


اولا
الإسلام نظام شامل ... يتناول مظاهر الحياة جميعا .. فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة ، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء ، وهو مادة و ثروة أو كسب وغنى ، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة ، كماهو عقيدة صادقة وعبادة صحيحه سواء يسواء .


ثانيا
والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم فى تعرف أحكام الإسلام ، ويفهم القرآن طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف ، ويرجع فى فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات .



ثالثا
وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحه والمجاهدة نور وحلاوة يقذفها الله فى قلب من يشاء من عباده ، ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية ، ولاتعتبر إلا بشرط عدم اصدامها بأحكام الدين ونصوصه .


رابعا
والتمائم والرقى والودع والرمل والمعرفة والكهانة وادعاء معرفة الغيب ، وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته .. (( إلا ماكان آية من قرآن أو رقية مأثورة )) .


خامسا
ورأى االإمام ونائبه فيما لانص فيه ، وفيما يحتمل وجوها عدة وفى المصالح المرسلة ، معمول به مالم يصطدم بقاعدة شرعية ، وقد يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات ، والأصل فى العبادات التعبد دون الإلتفات إلى المعانى ، وفى العاديات الإلتفات إلى الأسراروالحكم والمقاصد .


سادسا
وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه ، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالإتباع ، ولكنا لانعرض للأشخاص – فيما اختلف فيه – بطعن أو تجريح ونكلهم إلى نياتهم ، وقد أفضوا إلى ما قدموا


سابعا
ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر فى أدلة الأحكام الفرعية أن يتبع إماما من أئمة الدين ويحسن به مع هذا الإتباع أن يجتهد ما استطاع فى تعرف أدلته , وأن يتقبل كل ارشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صلاح من أرشده وكفايته . وأن يستكمل نقصه العلمى ان كان من أهل العلم حتى يبلغ درجة النظر


ثامنا
والخلاف الفقهى فى الفروع لايكون سببا للتفرق فى الدين ، ولا يؤدى إلى خصومه ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره ، ولامانع من التحقيق العلمى النزيه فى مسائل الخلاف فى ظل الحب فى الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقه ، من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب


تاسعا
وكل مسألة لاينبنى عليها عمل فالخوض فيها من االتكلف الذى نهينا عنه شرعا ، ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التى لم تقع ، والخوض فى معانى الآيات القرآنية الكريمة التى لم يصل إليها العلم بعد ، والكلام فى المفاضلة بين الأصحاب رضوان الله عليهم وماشجر بينهم من خلاف ، ولكل منهم فضل صحبته وجزاء نيته وفى التأول مندوحة


عاشرا
معرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الإسلام ، وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحه ومايليق بذلك من التشابه ، نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل ، ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء ، ويسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (( والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا )) آل عمران
حادى عشر
وكل بدعة فى دين الله لا أصل لها – استحسنها الناس بأهوائهم ، سواء بالزيادة فيه أو النقص منه – ضلالة تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التى لا تؤدى إلى ماهو شر منها.



ثانى عشر
والبدعة الإضافية والتركيــة والإلتزام فى العبادات المطلقة خلاف فقهى ، لكل فيه رأيه ولابأس بتمحيص الحقيقه بالدليل والبرهان .



ثالث عشر
ومحبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربة غلى الله تبارك وتعالى ، والأولياء هم المذكورون فى قوله تعالى (( الذين آمنوا وكانوا يتقون )) ، والكرامة ثابتة لهم بشرائطها الشرعية مع اعتقاد أنهم رضوان الله عليهم لايملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فى حياتهم أو بعد مماتهم فضلا عن أن يهبوا شيئا من ذلك لغيرهم .



رابع عشر
وزيارة القبور أيا كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة ، ولكن الإستعانة بالمقبورين أيا كانوا ونداءهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشييد القبور وسترها وإضاءتها والتمسح بها والحلف بغير الله ومايلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها ، ولا نتأول لهذه الأعمال سدا للذرائع .



خامس عشر
والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه خلاف فرعى فى كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة



سادس عشر
والعرف الخاطىء لايغير حقائق الألفاظ الشرعية ، بل يجب التأكد من حدود المعانى المقصود بها ، والوقوف عندها . كما يجب الإحتراز من الخداع اللفظى فى كل نواحى الدنيا والدين ، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء .



سابع عشر
والعقيدة أساس العمل ، وعمل القلب أهم من عمل الجوارح ، وتحصيل الكمال فى كليهما مطلوب شرعا ، وان اختلفت مرتبتا الطلب .



ثامن عشر
والإسلام يحرر العقل ، ويحث على النظر فى الكون ، ويرفع قدر العلم والعلماء ، ويرحب بالصالح النافع من كل شىء ، و (( الحكمة ضآلة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها )) .



تاسع عشر
وقد يتناول كل من النظر الشرعى والنظر العقلى مالايدخل فى دائرة الآخر ولكنهما لن يختلفا فى القطعى . فلن تصطدم حقيقه علمية بقاعدة شرعية ثابتة ، ويؤؤل الظنى منهما ليتفق مع القطعى ، فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعى أولى بالإتباع حتى يثبت العقلى أو ينهار.



العشرون
لانكفر مسلما أقر بالشهادتين ووعمل بمقتضاهما – إلا ان أقر بكلمة الكفر ، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة ، أو كذب صريح القرآن أو فسره على وجه لاتحتمله أساليب اللغة العربية بحال ، أو عمل عملا لايحتمل تأويلا غير الكفر



منقول

عبدالمنعم محمود
في الثامنة والثلث مساءا صلي صلاة العشاء الأخيرة بعد أن دعوه إلي مقر جمعية الشبان المسلمين في شارع رمسيس للتفاوض وحين لم يحضروا طلب من موظف في الجمعية أن يوقف له تاكسي ليعود إلي بيته ولكن القدر ويد الجبناء لم يدعاه إلي العودة سوي علي نعش خشبي لتصلي عليه وتشيعه النساء ووالده المسن إلي قبره، ففي هذا التاريخ وتحديدا في مساء 12 فبراير عام 1949 أطلق مسلحين النار علي حسن البنا مؤسس ومرشد جماعة الإخوان المسلمين بعد أن استدرجته حكومة إبراهيم باشا عبدالهادي آنذاك بدعوي اجراء مفاوضات حول أوضاع الجماعة بعد قرار حلها بينما كانت الدعوة للتخلص من هذا الفرد " الأمة " بعد أن اُعتقل كل أنصاره ليلقي حتفه وحيدا ولتموت معه دعوته التي بدأها قبل هذا التاريخ بنحو 21 عاما، ظنوا وقتها أنهم قد استطاعوا إنهاء هذه الدعوة التي أحيت قلوب المصريين إلي الإسلام الوسطي البعيد عن البدع وطنطنة الشيوخ.
مات حسن البنا منذ 60 عاما بينما ذكراه حية في أفكاره ودعوته وجماعته، ولاسيما الجماعة أو التنظيم الذي ذاع صيته من أقصي الدنيا إلي أقصاها «الإخوان المسلمين» اسم لم يعد في حاجة للبحث عن تاريخه ولكنه في حاجة للتعرف علي أفكاره التي تتاروح بين يوم وآخر مع أفكار الإمام المؤسس ليكون حسن البنا في ذكري استشهاده حيا بهذه الأفكار وميتا ليس علي يد أعدائه فقط بل قد يموت في ذكراه علي يد أتباعه أيضا.
حسن البنا الذي ألهبته العاطفة الإسلامية منذ صغره فمر بدروبها متصوفا وسلفيا حتي وقف عي روح الإسلام وقرر أن يركب قطار تيار الإحياء والتجديد الإسلامي في العصر الحديث الذي بدأ علي يد جمال الدين الأفغاني الذي سعي إلي إنشاء الجامعة الإسلامية وتلميذه الإمام محمد عبده والذي يسميه المفكر الإسلامي محمد عماره مهندس حركة التجديد الفكري الإسلامي، لتمتد الحركة التجديدية بالشيخ محمد رشيد رضا والذي حمل رسالة هذا التيار عبر مجلته «المنار» ومن ثم سلم رضا الأمانة لتلميذه حسن البنا ليكمل الطريق والذي واصل إصدار المنار وتفسير القرأن الكريم من حيث انتهي رشيد رضا.
قطار التجديد الذي بدأه الأفغاني مستهدفا تحرير العقل المسلم من أغلال الجمود والتقليد لمواجهة التخلف الذي أورتثه الحقبة المملوكية والعثمانية رافعا شعار «الإصلاح بالإسلام» في مواجهة المشروع الحضاري الغربي، ثم واصل الإمام محمد عبده السير علي طريق أستاذه مزكيا روحا اليقظة الإسلامية والمشروع النهضوي للإسلام بإعتباره دين الوسطية، وامتدت حركة الإمامين علي يد الشيخ رشيد رضا ومدرسته «المنار» التي وضعت الأسس للمشروع الحضاري الإسلامي، وهنا يأخذ الإمام حسن البنا الراية من الأئمة السابقين لبسير علي نهجهم ليصبح هو وبحق عميد مدرسة الإحياء والتجديد الإسلامي حيث استطاع الشاب الذي لم يزد عمره وقتها عن 24 عاما أن ينقل هذه المدرسة التجديدية من نطاق الصفوة والنخب إلي الجماهير، حيث انشغل بهم الأمة ووحدتها وخاصة سقوط الخلافة الإسلامية وسعي أن تكون هذه لهذه الحركة التجديدية أرجل تسير بها بين المسلمين لتبصرهم بمشروع حضاري مدني إسلامي مهموم بوحدة الأمة وتحرير عقلها وفق «إسلام الإخوان المسلمين» الذي قال عنه البنا في رسالة المؤتمر الخامس: «نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنظم شئون الناس في الدنيا والآخرة، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي يخطئون في هذا الظن، فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف» مؤكدا أنه لا يعني إسلاما غير الذي جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم بل يشير علي قضية فهم الإسلام بمعناه الشامل ووقتها قد استطاع البنا أن تصل جماعته لقري ونجوع مصر ويصل أعضائه إلي عشرات الآلاف وتضم كل فئات المجتمع من عمال وأفندية وشيوخ وطلاب ونساء.
فقد استطاع البنا وفق شخصيته الكريزمية أن يقوم بما لم يستطع القيام به الأفغاني وعبده ورضا، حيث فكك البنا أفكارهم ونظرياتهم في كلمات بسيطة حفظها الشباب عن ظهر قلب لينقلوها إلي زملائهم في الجامعات والمصانع دون جمود مما دفع الكاتب الصحفي آنذاك إحسان عبدالقدوس أن يكتب في مجلة روزليوسف هؤلاء الشباب عندما زار مقر الإخوان في الحلمية عام 1945 قائلاً: «هم شباب مودرن لا تحس فيهم الجمود الذي امتاز به رجال الدين وأتباعهم ولا تسمع في أحاديثهم التعاويذ الجوفاء التي اعتدنا أن نسخر منها، بل إنهم واقعيون يحدثونك حديث الحياة لا حديث الموت، قلوبهم في السماء ولكن أقدامهم علي الأرض، يسعون بها بين مرافقها ويناقشون مشاكلها ويحسون بأفراحها وأحزانها».
هذا هو الجيل الذي صنعه البنا ولكن ربما لو نظرت إلي إخوان اليوم هنا قد يشعرك عدد غير قليل منهم أن البنا مات فعليا وخاصة وأنت تطالع أحد الكتب التي تقوم الجماعة بتدريسها للإخوان «العاملين» وهي الفئة التنظيمية داخل الصف الإخواني وهي تنعت رواد فكر التجديد بأنهم تغريبيون حيث جاء في كتاب «من أخلاق المؤمنين» أن جمال الدين الأفغاني هو أحد أقطاب هذه المدرسة التي سعت إلي صبغ حياة المسلمين بالأسلوب الغربي وقال الكتاب عنه أنه انضم للمحافل الماسونية.
لقد مات حسن البنا وماتت أفكاره علي يد أتباعه حينما يورد الكتاب الذي هو الركيزة الأساسية في المنهج الثقافي الذي يتدارسه الإخوان «العاملون» عندما يقول: «كان الشيخ محمد عبده من أبرز تلاميذ الأفغاني وشريكه في إنشاء مجلة العروة الوثقي وكانت له صلة باللورد كرومر والمستر بلنت، ولقد كانت مدرسته ومنها رشيد رضا تدعوا إلي مهاجمة التقاليد كما ظهرت لهم فتاوي تعتمد علي أحد تأويل النصوص بغية إظهار الإسلام بمظهر المتقبل لحضارة الغرب كما دعا الشيخ محمد عبده إلي إدخال العلوم العصرية إلي الأزهر لتطويره وتحديثه».
لم يبقي هذا الكتاب غير اسم حسن البنا نفسه ليكي يدرجه ضمن هؤلاء التغريبين حينما يورد اسم رشيد محمد رضا أستاذ البنا المباشر بأنه تغريبي رغم أن العمق السلفي الذي اكتسبه البنا قد توارثه عن رضا ومجلته المنار التي قادها البنا بنفسه بعد وفاة الأستاذ.
أدرك البنا من خلال تجربة الرواد الثلاثة أن الأفكار الكبيرة والعميقة لا تتفاعل معها الجماهير، فرغم حرصه أن ينشر تيار فكري داخل المجتمع فقد كان أشد حرصا أن يكون هذا التيار حركيا يتحدث به وينشره المواطن البسيط والمثقف والعامل والطالب، وذلك من خلال الدعوة والتي شكلت رافدين دعوة لتجنيد أعضاء لإعددهم لدعوة الشعب المصري والجماهير المسلمة لتبني هذا التيار الفكري التي يشمل مناحي الحياة وفق المرجعية الإسلامية.
لذلك اهتم البنا في عملية نشر فكرته من خلال «التربية» حيث عمد إلي تكوين قسما خاصا بالجماعة لهذا الأمر حتي تترسخ الأفكار في وجدان أعضاء الجماعة لذلك حرص ألا يطلق عليه لفظ «رئيس الجماعة» ولكن «المرشد» أي المربي والموجه مستفيدا في ذلك بخبرته كمدرس ومتأثرا بعلاقته بالصوفية في صغره فكان الأعضاء كالمريدين لشيخهم ولكن خارج نطاق الدروشه.
والتربية عند حسن البنا لم تكن قاصرة علي الجانب الديني والشرعي فحركته لا تتوقف عند الجماعة الدينية بل هي حركة تغيير شاملة حتي يجد فيها كل مهتم ضالته فعرف الإخوان المسلمين بأنهم دعوة سلفية وطريقة سنية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية.
وهو ما قد يثير لبسا لدي المطلع علي هذه الجماعة وقد اعترف البنا بذلك قائلاً: «هكذا نري أن شمول معني الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولاً لكل مناحي الإصلاح، ووجه نشاط الإخوان إلي كل هذه النواحي، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلي ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعاً ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعاً ومن هنا كان كثير من مظاهر أعمال الإخوان يبدو أمام الناس متناقضاً وما هو بمتناقض».
لذلك قام البنا بتقديم منهج ثقافي يدرسه الإخوان ليرتقي بفهمهم بهذه الدعوة واشتمل هذا المنهج جوانب شرعية وفقهية وسياسية وثقافية عامة وكان يتم تدارس هذا المنهج بشكل أسبوعي في حلقة تضم أربعة إلي ستة من أعضاء الجماعة وحرص البنا أن يتم تجميعهم من طبقات مختلفة سواء دراسية أو طبقية ليربي هذا الصف علي التلاحم.
ولعل أهم ما يميز دعوة حسن البنا هي التدرج في الخطوات وعدم استباق الخطي ووضع التدرج كأحد أهم خصائص دعوة الإخوان المسلمين لذلك أكد في رسالة المؤتمر الخامس التي كانت أشبه بوثيقة تعريفية جامعة قائلاً: «طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده. ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقاً طويلة ولكن ليس هناك غيرها. إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلي غيرها من الدعوات . ومن صبر معي حتي تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك علي الله».
والتدرج هي ميزة الدعوات الناجحة لذلك رفض البنا منطق الإنقلابات العسكرية والثورات مؤكدا أن الإخوان لا يعتمدون عليها ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها، لأنه كان يريد أن يحدث تغييرا جذريا يبدأ بالفرد ثم الأسرة ثم المجتمع وصولا للحكومة المسلمة بل العالمية.
ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين ترفض تقديم مراجعة فكرية لتواكب بها العصر الحديث ومقتضياته ورغم انصياعهم لهذه العصرنه دون أن يعربوا عن مراجعتهم، فقد خالف الإخوان نهج التدرج الذي شدد عليه البنا عندما تحالفوا مع ثورة يوليو أملا في نشر فكرتهم عن طريق الحكم وفي هذا أكد الدكتور عصام العريان مسئول القسم السياسي للجماعة في ورقة بحثية حملت عنوان «الوفاء لنهج البنا» أنه نشأت داخل الإخوان مدارس جديدة في الفهم تختلف عن مدرسة البنا بعد استشهاده ضاربا المثال بالمدرسة التي أطلق عليها مدرسة «التعجل وعدم التدرج» التي رأت في استمرار النهج التربوي تأخيراً عن الوصول إلي ثمرة العمل، وهي إصلاح الحكم، فتعجلوا الوصول عبرالانقلاب العسكري عام 1952م فكانت النتائج المأساوية علي مصر والعرب والإخوان.
كما أعرب العريان أن مدرسة جديدة نشأت في الفهم الإخواني وهي «مدرسة التشددوالغلو».
معتبرا أن من ساهم في صياغة أفكار هذه المدرسة سنوات السجن الطويلة والتعذيب البشع الذي مورس ضد الإخوان في سجون عبدالناصر.
لكن العريان لم يفصح بشكل كامل عن رائد هذه المدرسة ومنظر أفكارها، إلا أن الشهيد سيد قطب يعد هو المنظر الأساسي حيث بلور نظريات البنا لشمول الإسلام بالحاجة إلي أن إعادة البيئة التي انتشرت فيها الدعوة الإسلامية علي يد الرسول صلي الله عليه وسلم في مكة والمدينة ورسم قطب منظورا آخر للمجتمع علي أنه «جاهلي» وأن الفئة المؤمنة التي استطاع هو تكوينها في ما يسمي «بتنظيم 65» هي التي ستحاول إعادة هذه المجتمع فاتحا بابا شديد الخطورة حتي يومنا هو «تكفير المجتمعات» والذي اتخذته الجماعات الإسلامية زريعة لاستخدامها السلاح والعنف في وجه الحكومات والشعوب في العالم الإسلامي، لنجد أن أفكار سيد قطب قد خالفت المنهج المتدرج لحسن البنا بل خالفت قاعدة أساسية وضعها في أصوله العشرين «لانكفر مسلما نطق بالشهادتين» فكانت أحداث وأفكار إخوان 54 و65 ضربة قاسية لأفكار البنا الذي أستشهد وماتت أفكاره السمحه في هذه الفترة، إلا أن الفكرة الطيبة لا تزول فقد سعي المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي تصحيح مسار هذا النهج المخالف من خلال الوثيقة الهامة التي أصدرها عقلاء الجماعة داخل سجون عبدالناصر في كتاب «دعاة لا قضاة» والتأكيد علي أن التكفير والعمل العنيف والإنقلاب ليس من أدبيات الإخوان ومن يخالف ذلك يعتد خارجا عن الجماعة.
وهنا يقول العريان: «صدور كتاب» دعاة لا قضاة «الذي كانت عليه مفاصلة تامة لإعادة الاعتبار إلي نهج حسن البنا المعتدل والوسطي وفاء للإمام ولفكره الواضح في الحكم علي المسلمين والحكام وغيرهم».
لقد وضع البنا أسسا لمشروعه الفكري الإسلامي الوسطي السلمي من خلال تأكيده علي البعد عن مواطن الخلاف وخاصة الفقهي حيث أكد أن الإختلاف موجود منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم وعهد صحابته الكرام وهي سنة كونية لكنه دعا الإخوان لنبذ التعصب للرأي والحجر علي عقول الناس وآرائهم، لذلك رفض البنا أن يختار للجماعة آراءا فقهية بعينها تاركا الباب مفتوحا حسب الأصول العامة للإسلام وهو ما أكد عليه أيضا من خلال الأصول العشرين التي تركها لتكون أشبه بميثاق فكري للإخوان ولأي حركة إسلامية تنشد الوسطية.
رؤية البنا لشمولية الإسلام لم تمنعه من التأكيد علي مدنية إدارة الدولة ورفضه للمفهوم الثيوقراطي مؤكدا أن الإخوان وفق فهمهم للإسلام يرون الحكومة ركنا من أركان الإسلام، وهنا يؤكد أن دور المصلحون أو الدعاة وفق هذه الرؤية تدعيم الحكومة من خلال اصلاحها وألا يكتفوا بالنصح ووالوعظ.
بل وضع البنا أسس نظريته الشاملة وفق متطلبات العصر حين أكد أن أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلي الإسلام ويشرح نظريته قائلاً: «أن الباحث حين ينظر إلي مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة علي الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلي الشوري واستمداد السلطة من الأمة وعلي مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم علي ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات هذه الأصول كلها يتجلي للباحث أنها تنطبق كل الانطباق علي تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم.
لم يترك البنا مجالا تتسع من خلاله رقعة الدعوة إلا وخاضه حتي الفن رأي أنه سيسهم في هذه الفكرة الشاملة وأسس مسرحا للإخوان أشرف عليه شقيقه عبدالرحمن وتخرج منه عددا من الأسماء التي لمعت في سماء الفن وكانت أول مسرحية قدمها الإخوان هي «جميل بثينة» قد شارك في التمثيل فيها حسب دراسة الباحث أحمد زين عددا من الأسماء الكبيرة مثل جورج أبيض وأحمد علام وعباس فارس ومحمود المليجي وأيضا من العناصر النسائية فاطمة رشدي وعزيزة أمير.
البنا حاول أن يقدم مشروعا حضاريا متكاملا جمع فيه العناصر المختلفة التي لم تستطع أن تجتمع مع بعضها إلا في حياته، ورغم أن الإخوان لا يرغبون في ممارسة مراجعة فكرية لمشروع الجماعة الذي تخطت الثمانين عاما فهم بحاجة لدراسة عميقة وواسعة لمشروع حسن البنا ومراجعة آدائهم السياسي والدعوي الحالي بهذا المشروع الذي تخطي وفقا لزمنه آداء ونشاط الجماعة وتراجعها في ثوب التنظيم أكثر من عباءة المدرسة الفكرية لذلك وجدنا عددا غير قليل نفر من ثوب التنظيم الضيق متشحا بعباءة المدرسة الفكرية الواسعة والتي انتشرت وتخطت الحدود والبحار لتكون رغم قدمها أساس العمل الإسلامي الوسطي في العالم.

وثيقة اخوانية تشرح الفارق بين أفكار قطب و البنا .. فقه حسن البنا في التغيير قام علي الإصلاح المتدرج وفقه سيد قطب قام علي منهج الانقلاب الإسلامي

لم يؤثر في فكر جماعة الإخوان المسلمين ويحدد وجهتها الفكرية سوي اثنين من المفكرين رغم طول رحلة الجماعة الممتدة من القرن الماضي , بالتأكيد الأول هو مؤسس الجماعة الشهيد الراحل حسن البنا الذي سيطرت عليه النزعة الإسلامية منذ صغره وشغل همه تكوين جماعة اسلامية واعية تقود حركة النهضة الإسلامية التي أسسها في العصر الحديث جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ثم جاء البنا تلميذا في مدرستهم ولكن لم يكتفي أن يسير علي نهج المدرسة الفكرية بشكل نخبوي ولتأثره بالحركة الصوفية في طفولته قرر أن يجعل هذه المدرسة الإسلامية الحديثة تنظيما له أتباعا ومريدين فأسس هو ورفاقه جماعة الإخوان المسلمين
المفكر الثاني الذي كان له عميق الأثر في فكر الإخوان هو سيد قطب الذي بدأ حياته مثقفا وأديبا وشاعرا ضمن جماعة " أبولوا " الأدبية وكان قطب تلميذا بارا للأديب محمود عباس العقاد ومنتميا في بداية حياتة لحزب الوفد ثم انتقل منه إلي حزب السعديين وفاءا لسعد زغلول إلي أن تطورت أفكاره بعد زيارته لأمريكا وتحوله للجانب الإسلامي من خلال كتابته الإسلامية " العدالة الإجتماعية في الإسلام " و " التصوير الفني للقرأن الكريم " حتي وجد أن الإخوان هم أقرب اليه وهو أقرب إليهم فانتمي للجماعة في عام 1953 وأصبح مسئولا عن قسم نشر الدعوة وتولي رئاسة تحرير جريدة الإخوان المسلمين الإسبوعية , واستمر قطب في مراجعة أفكاره حتي دخل السجن في 1954 علي أثر أول أزمة للإخوان مع عبدالناصر وتعرضه للتعذيب الشديد مما دعاه لاستخدام أساليب فكرية ربما كانت أقسي مما عرفته جماعة الاخوان وظهر ذلك جليا في كتابته من داخل السجن " هذا الدين " و " المستقبل لهذا الدين " والكتاب الأكثر جدلا في الفكر الإسلامي المعاصر " معالم علي الطريق " كما أنه عدل من تفسير القرأن في كتابه الأشهر " في ظلال القرأن " فعدل فيه 13 جزاء داخل سجنه
وأحدثت أفكار قطب انقلابا جذريا في جماعة الإخوان والتي كان أبرزها تكوين تنظيم 1965 الذي يختلف كليا عن منهج الإخوان في التغيير المتدرج عن طريق الإصلاح بل أصبحت أفكار قطب دستورا لأبناء الحركة الإسلامية الذين تبنوا العنف كمنهج للتغيير واتخاذهم كتابات قطب مرجعا فكريا أساسيا في معركتهم الجديدة
واختلف الباحثين والإخوان حول أفكار قطب حيث اعتبرها فريق كبير من الباحثين أنها تختلف عن أفكار حسن البنا وأنها لا تعبر عن جماعة الإخوان وشاركهم في هذا التصور القليل من أبناء الجماعة وعلي رأسهم العلامة الدكتور يوسف القرضاوي وعدد من تلامتذة من جيل السبعينات كالدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والذين أبرزوا مسالب أفكار قطب وأوضحوا أن الجماعة رفضت هذه الأفكار من خلال كتاب "دعاة لا قضاة " الذي أخرجه مرشد الجماعة الثاني حسن الهضيبي
, بينما دافع الكثير من قيادات الإخوان عن فكر سيد قطب وخاصة الذي انتموا لتنظيم 1965 وحاولوا أن يبرروا مواقفه ويؤكدوا علي أن أفكاره هي من معين الجماعة
" الدستور " عثرت علي وثيقة علمية شديدة الأهمية كتبها أحد قيادات تنظيم 65 عن الفروق الفكرية بين منهج حسن البنا وسيد قطب , وهذه الوثيقة التي كتبها المهندس الراحل محمد الصروي
ضمن كتابه " محنة 1965 الزلزال والصحوة " وعرضها في فصل كامل بعنوان قضايا فكرية عن سيد قطب إلا أن لجنة المراجعة الفكرية عند الجماعة عندما راجعت الكتاب رأت أن تحذف منه الكثير من القصص والشهادات والأحداث التي يرويها "الصروي " باعتباره شاهدا وفاعلا في هذا التنظيم كما قررت حذف كل ما أورده "الصروي" في شكل مقارنات بين البنا وقطب واختذلت الفصل المشار اليه والذي كتبه" الصروي" في 77 صفحة إلي مبحث صغير في الكتاب ظهر في 7 صفحات فقط وحدث ذلك بموافقة الكاتب بدعوي عدم اثارة الشبهات لدي أعضاء الجماعة وصدر الكتاب في عام 2004 قبل وفاة الصروي بعام واحد وقدمه له الشيخ محمد عبدالله الخطيب عضو مكتب الإرشاد في حينه
إلا أن أحد أفراد أسرته والذي كان يساعد الصروي في الجمع والمراجعة أطلعنا علي النص الكامل للكتاب قبل تنقيحه أو حذف شهادة الصرواي علي قضايا فكرية وتنظيمية شديدة الأهمية والخطورة في تنظيم الإخوان في عهد عبدالناصر – والدستور تتحفظ علي النسخة الكاملة للكتاب لديها – ونشير هنا إلي أهم ما أورده الكاتب من فروقات فكرية ومنهجية بين العملاقين الإسلاميين حسن البنا وسيد قطب
فتحت عنوان " الاتجاه الإسلامي المحدد " كتب الصروي عن انتقال سيد قطب الي مدرسة الإخوان بشكل واضح ويقول أن أن حياته الفكرية مع " الإخوان المسلمين " تنقسم إلى مرحلتين :
المرحلة الأولى تبدأ منذ انتسابه في أواخر الأربعينات وحتى دخوله السجن عام 1954 , وهذه مرحلة فيها الغث وفيها السمين , ولعل خير ما يمثل هذه المرحلة كتاب " دراسات إسلامية ".
والمرحلة الثانية تبدأ منذ دخوله السجن , أو قل منذ ظهور كتابيه " هذا الدين " و " المستقبل لهذا الدين " كعلامة .. وحتى إعدامه عام 1966 , وهذه تعتبر مرحلة النضج الكامل , ولم يتخل ـ حين أعلن تخليه عن العديد من كتبه ـ عما كتبه في الفترة الواقعة بين سجنه وإعدامه . وإنما كان الأمر كذلك لان التقدم الفكري وصفاء التصور قد تكون لديه ـ بعون الله وتيسيره ـ بجهوده الشخصية , وليس معنى ذلك أنه لم يكن لحركة " الإخوان المسلمين " فضل عليه , فهذه الحركة هي التي أحيت فكرة العمل لإعادة الدولة الإسلامية , وأحيت معها جوا فكريا ضخما أثر على كافة المفكرين المسلمين في مصر بصورة ما , وبديهي أن تأثير هذه الحركة على أحد أبنائها كان اكبر من التأثير في بقية المفكرين الذين لم يعملوا مع الجماعة , إنما الذي نعنيه هو صفاء التصور ووضوح الميزان القائم على هذا التصور الصافي , فليس ثمة إنسان منصف ينكر أن سيد قطب قمة لا تطالها القمم المعاصرة جميعا في صفاء التصور ودقة ميزانه , ولا من ينكر أن ذلك لم يكن في أول أمره ..
ويقول الصروي لقد كان " قطب " معجبا جدا بحسن البنا وكان إعجابه يتركز - بصورة خاصة - على عبقرية البنا في ناحيتين , في البناء النفسي المتوازن لأعضاء الحركة , بإيجاد النسب المتكافئة بين العلم والروح والحركة من جهة , وبين المدارس الإسلامية " التخصصية " ـ كالصوفية والسلفية والمذهبية ـ من جهة ثانية والبناء التنظيمي للجماعة , وقد كان هذا البناء هو الأول من نوعه في العالم بالنسبة للعمل الجماعي المتجسد في صورة " حزب إسلامي ".
أما من الناحية الفكرية فيقول الصروي : " فلا ريب أن لسيد قطب تفرده , فهو ــ في رأينا ــ يمثل قمة النضج الفكري عند " الإخوان المسلمين " , بحيث يمكن أن يعتبر ظاهرة خاصة , لها طابعها المميز , ولا يعتبر مجرد استمرار لمدرسة البنا الفكرية , أو تلميذا متخرجا منها , كما ذهب إليه الأستاذ غازي التوبة ."
ويضيف الكاتب : " نعم إن سيد قطب استفاد من فكر " الإخوان المسلمين " الذي غذاه البنا ونماه , ويحتمل كثيرا أننا لم نكن لنجد سيد قطب " المفكر المسلم " لولا الإخوان المسلمون ولولا البنا ولكن ذلك لا يعنى انه كان تلميذا نجيبا فحسب , بل هو مجدد حقيقي , استقل بمنهج فكرى خاص به , يعرف بجلاء لدى قراءة كتبه التي كتبها فيما بين سجنه وإعدامه , ولدى مقارنة ذلك بكتب البنا الرائد , وبكتب كتّاب الإخوان المسلمين ومقالاتهم المكتوبة منذ إنشاء الحركة وحتى أوائل الخمسينيات
وفي بداية الفصل كتب" الصروي " بأنه أدق وأصعب أبواب هذا البحث موضوحا : " فهو يتناول القضايا الشائكة وما أكثرها .. ولكن لا بد من الكتابة فيه .. فان لي تجربة شخصية مع كتب ومنهج سيد قطب , ومع التنظيم الذي كان يرأسه الشهيد عليه رحمة الله ورضوانه فإذا كتبت فهو من واقع الأحداث , ومن قلب المعركة , ومن خضم المعاناة والمكابدة , ولقد دفع الشهيد سيد قطب حياته ثمنا لهذا الفكر , وتلك الحركة هو وزميلاه الشهيدان محمد يوسف هواش , وعبد الفتاح إسماعيل على حبل المشنقة .. "
وحاول الكاتب أن يضع في بداية بحثه الفرو بين المناخ الذي عاش فيها الإمام المؤسس حسن البنا والإمام المنظر سيد قطب
فقطب عاش حسب الصروي مقاتل صلب عنيد .. فلم تجد معه مساومات , ولم تنفع معه ضغوط .. هذا معناه انه ظل في حرب مع عبد الناصر وأعوانه تسعة أعوام في السجن ( 55 ــ 1964 ) معذبا في سجنه يوما بعد يوم أي حوالي 3285 يوم .. معركة استمرت ثلاثة آلاف يوم .. والجنود في المعركة يحاربون نهارا وينامون ليلا , أما سيد قطب فكانوا يحاربونه في سجنه ليل ونهارا .. في نومه ونبهه .. في يقظته وغفوته .
ولقد رأى سيد قطب إخوانه شهداء مذبحة طره عام ( 1957 ) ( 21 شهيدا ) ومثلهم من الجرحى يموتون في ساحة السجن في معركة غير متكافئة بل ورأى على سرير بجواره يموتون من التعذيب صبرا بمنع الدواء مثل الشهيد أحمد نار و غيره.
فأيقن أنها معركة حربية هو في قلب ساحتها .. والمعارك لها قانون ونظام غير نظام الحياة العادية .
ويضيف الصروي : " عاش سيد قطب ساحة قتال , وليست زنازين سجن وهو مريض لا يملك إلا قلمه .. فحارب الباطل بقلمه .. فنزلت كلماته ـ عليه رضوان الله ـ سيوفا على الباطل في كل أرجاء الأرض , جريء لا يتردد .. فالتردد في المعركة هزيمة نكراء "
من هنا حرص سيد قطب حسب الصروي على وضع كثير من النقط فوق الحروف , ورفض أي لبس , وعرّى الباطل , وحرص على التمايز عنه , وأختار لهم مفردات لغة لعلها من وجهة نظره المناسبة لساحة القتال ( مثل الجاهلية ــ دار الحرب وغيرها كثير ) هكذا كان اجتهاده رحمه الله .
أما حسن البنا فيري الصروي أنه كان في حقل مختلف , وظروف أخرى .. هو حقل الدعوة والتفهيم والشرح والبيان ...وكانت عنده معارك أخري لا تقل ضراوة
ويضيف الكاتب إن حسن البنا بلا شك هو مجدد القرن العشرين لهذه الأمة , وكثير من الناس لاحظ فروقا جوهرية من كلام حسن البنا , وكلام سيد قطب ويتسائل فما موقع هذا من التقييم الفكري والعلمي ؟
ويجيب علي نفسه قائلا : " والذي تستريح له نفسي , وتطمئن له تجربتي .. أن سيد قطب مثله مع حسن البنا . كمثل المجتهدين على أصول نفس المذهب .. أو بتعبير أدق " مجتهد على أصول نفس المنهج " موضحا فالإمامان الجليلان محمد , وأبو يوسف مجتهدان على مذهب الإمام أبو حنيفة النعمان .. فهما في إطار أصول مذهبه يجتهدان ولا يخرجان عن أصول المذهب , والاجتهاد في بعض الفروع والوسائل , وفق الظروف والأحوال المستجدة .
وأكد الصروي في بحثه المطول الذي تم اختذاله في الكتاب المطبوع عن دار " التوزيع والنشر الإسلامية " أنه سيعرض بالتفصيل والنصوص بعض الفروق التي فيها اجتهاد لسيد قطب في إطار منهج حسن البنا , لكنه حرص أن يعرض في البداية الأصول التي يلتزم بها كل من البنا وقطب
• هذا الدين نظام حياة لكن عامة الناس , وكل الحكام أو جلهم لا يحب هذا
• هذا الدين حضارة متكاملة لا تقبل القسمة ولا الترقيع ولا قطع الغيار لأنه منهج كامل متكامل من عند الله "
• إن الناس بعدوا كثيرا عن الدين والتدين .. ولا بد من رجوعهم إلى حظيرة الدين .
• لا بد من إيقاظ المسلمين في غفلتهم الشديدة
• إن الإصلاح لا يأتي أبدا من الرأس بمعنى تغيير الحكومة , فكلاهما ( أي حسن البنا وسيد قطب ) متفقان على أن الإصلاح يبدأ من القاعدة
• كما يتفق الإمام والشهيد بضرورة عودة الخلافة
• يتفق الإمام والشهيد على " ألا نكفر مسلما نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاها "
ويقول الصروي على نفس الدرب سار سيد قطب لكنه كان شديدا جدا في وصفه لكل من بعد عن تعاليم الدين , ولعله أصدر بعض الأحكام على بعض الأفراد من الحكام ( والله أعلم ) كما أنه وصف علماء السلطان وصفا صعبا .. والعلماء أيضا قابلوا سيد قطب بكلمات قاسية في محنته ووصفوه ومن معه بأنهم الخوارج في موقف سيئ من العلماء في عام ( 1965 ) .. وعلى رأسهم للأسف شيخ الأزهر .. فلعله كان مكرها !!
كان سيد قطب حسب الكاتب متشددا في حكمه على بعض الحكام والأشخاص كما قلت ولكنه لم يكن يكفر عوام الناس , أو من ليس في جماعته أو تنظيمه
كما يري الصروي أن البنا وقطب يتفقان على ضرورة " التدرج " في الخطوات بهذا المنهج تدرجا يناسب الزمان والمكان و هذا المنهج سماه الإمام البنا " التدرج " وسماه قطب " المرحلية " ولم يتوسع البنا في شرح ( التدرج ) لكن قطب توسع في شرح " المرحلية " ففهم منها أناس مفاهيم شتى , لكن الأستاذ سيد قطب رحمه الله حسب – الكاتب - كانت له اجتهادات لعل أغلب ألفاظها ومصطلحاتها لا توجد في أديبات الإخوان التي تتمثل في رسائل حسن البنا كما أن هذه المصطلحات كانت موجودة من قبل في عصور الإسلام الأولى عند فقهاء الأمة مثل دار الحرب ودار الإسلام وغيرها , ولكن في ظروف عالمية ومحلية مختلفة .ولقد أثارت هذه المصطلحات أزمات كثيرة بعد وفاة الشهيد سيد قطب
وانقسمت الآراء بين متحامل عليها , وبين موائم بينها , وبين ناقد لها في موضوعية وبين من يصف عبارات الشهيد بالعاطفية , ومن يصفها ببلاغة الأدباء وتعبيرات الفصحاء .. وبين متعصب لها بدرجات متفاوتة فمنهم حتى الان من يتوقف في الحكم على إسلام الناس , ومنهم من يكفر الناس , ومنهم من يكفر من ليس على مزاجه ومقاسه وهواه .. حتى ظن بعضهم انه وحده على الحق وان الدنيا كلها على باطل ,
وهذه المصطلحات هي التي أتى بها الأستاذ سيد قطب إلى قاموس الدعاة هي :
الجاهلية , الجماعة المسلمة , معنى شهادة لا اله إلا الله , دار الحرب ودار الكفر ودار الإسلام , الحاكمية ,المرحلية , المفاصلة بين الشعورية والمادية ,استعلاء الإيمان
ولقد أفرد الكاتب الفروق الجوهرية في رؤية البنا لهذه المصطلحات ورؤية قطب وان كان يبرر لقطب رؤيته التي وصفها هو بالمتشددة وأفرد الكاتب لكل مصطلح من هذه المصطلحات الثمانية صفحات مطولة بينما النسخة التي صدر فيها الكتاب لم يزد توضيحه لهذه الأفكار سوي عن سطور قليلة تبرر فكر قطب فقط ونعرض هنا ما توصل له الاستاذ الصروي من فروقات جوهرية بين قطب والبنا في المصطلاحات الثمانية ونعرض هنا لاهم فارقين وهما الجاهلية والمرحلية
1- الجاهلية
ان الإمام حسن البنا حريصا على البعد عن استخدام أي مصطلحات فقهية لها مدلولات محددة .. أو يمكن إساءة فهمها , أو لها ظلال فتوى معينة , أو لها مدلول تاريخي أو مدلول في كتب علوم التوحيد والعقيدة .. قد يترتب عليها إصدار حكم ما في شخصية أو هيئة معينة , بل إن البنا حرص ألا يفرض مذهب فقهيا معينا على الإخوان حتى لا تنحصر الجماعة في إطار مذهبي فقهي , والتزم البنا سلوك الداعية , ولم يسلك طريق الفتوى والتزم أخلاق الدعاة
وكان البنا حريصا أن يري الناس من منطق ( إني أراكم بخير ) فهو يقول : " وليعلم قومنا , وكل المسلمين قومنا , أنهم أحب إلينا من أنفسنا ...ليس معنى هذا أن حسن البنا لم يحسن تشخيص حال المسلمين بل تشهد رسائله أنه يعرف بالتفصيل الشديد أمراض الأمة ويضع لها روشتة العلاج.
وشبه الصروي فقه حسن البنا في وصف حال المسلمين ومنهجه في الدعوة كمن رأى سيارة تحطمت وتهشمت في حادثة .. تهشم الموتور والسقف والعجل والشاسية وغيرها وبقيت اللوحة المعدنية سليمة .. فسحب البنا هذه السيارة وذهب بها إلى الورشة لإصلاح كل شيء من الألف إلى الياء وأصر على منهج الإصلاح .. دون الحكم على السيارة بالإعدام ما دامت اللوحات المعدنية سليمة .
أما الشهيد سيد قطب فنظر إلى السيارة وقال : لا بد من سيارة جديدة , والتخلص من هذه السيارة المهشمة ورميها في صناديق القمامة فلا يجدي معها الإصلاح
كان حسن البنا يقول على بلاد المسلمين وساكنيها انهم مسلمون وان فيهم أملا كبيرا وخيرا كثيرا لكن ينقصهم الكثير ويعدد ويوضح ويسهب في ذكر الأمراض وعلاجه ,
أما قطب فله نظرات في كتاب الله تعالى ووصف بجاهلية هذه المجتمعات وشبهها بجاهلية ما قبل الإسلام فمعتقدات الناس فيها جاهلية الظن بالله غير الحق بعدم تحكيم شريعته وسلوك النساء فيه تبرج الجاهلية الأولى أو يزيد وغضب الناس لغير الله أكثر من أن ينكر .
والحكم بغير ما انزل الله واضح لكل ذي عينين , والدين في واد والناس والحكام في واد آخر .. إلا ما رحم ربى .. وقليل ما هم .
وخلص سيد قطب إلى جاهلية المجتمع بهذه المواصفات وأنها أشبه ما تكون بالجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم . ورتب الشهيد سيد قطب منهجا للحركة بناء على هذا التصور استلهمه من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الجاهلية الأولى شبرا بشبرا , وذراعا بذراع .
وحسب الصروي لكن سيد قطب كان عالما .. فكان يفرق بين النظرة الإجمالية للمجتمع وبين النظرة إلى أفراد هذا المجتمع .. وهذه التفرقة صعبة جدا أن يستوعبها القارئ العادي بل والعالم المتخرج من الأزهر الشريف وهى عسيرة على العقل أن يفهمها
كان حسن البنا يصف الناس والمجتمعات أنها أمم إسلامية بعدت كثيرا عن الإسلام لكن أصل الإسلام واضح فيها . وباق فيها فشجرة الإسلام أصلها ثابت وفرعها في السماء لكن ساق الشجرة اجتثت من فوق الأرض .
وخلاصة منهج حسن البنا .. الإصلاح .. ثم الإصلاح .. ثم الإصلاح .. فهو يعترف بوجود الخير في هذه الأمة .. وذلك المجتمع وان الإصلاح ممكن .. وليس مستحيلا .. وخير له أن يقوم بالإصلاح فهو منهج غير مستفز , ولا يقلب للحكام ظهر المجن , ويعطى فرصة أطول للدعوة والدعاة للتغلغل داخل المجتمع , والغوص في أعماقه .
أما منهج التغييرالذي يحبذه سيد قطب .. أو إن شئت قل منهج الانقلاب الإسلامي .. فهو يشعل معركة مع الناس ومع الحكام .. معركة في وقت مبكر جدا .. كما يعطى تبريرات للحكام للتعامل بمنطق الرفض المتبادل ..

من ثم فهو ـ أي الإمام البنا ـ يطالب بإصلاح كل شيء .. وليس تدمير أي شيء .. يطالب بالعلاج , وليس بالتغيير .
أما الشهيد سيد قطب فيصف المجتمعات كلها بالجاهلية .. ويترتب على هذا الوصف ضرورة اتباع منهج ( التغيير) وليس ( الإصلاح ) وهذا الوصف الذي قاله الشهيد سيد قطب عن ( الأمة ) وعن ( المجتمعات ) فهو يعنى به الأمة أو المجتمع كشخصية معنوية متمثل في الدولة ومؤسساتها الدستورية من تشريعية وتنفيذية وقضائية , ولا يتعلق هذا الحكم بالأفراد .
2- المرحلية

كان حديث قطب عن المرحلية قاصرا على كلامه حول مسائل الجهاد وذلك في مواضع متعددة " في ظلال القرآن " وفى كتابه " معالم في الطريق "ويقول الصروي هذا الكلام عن المرحلية حرّفه كثيرون ونسبوه إلى الشهيد سيد قطب , ولعله من كل هذا برئ .
وهو لا يتحمل وزر من نسبوا إليه تعطيل كثير من الأحكام الشرعية بحجة المرحلية , واستنبطوها ـ فقط ـ من فكرة المرحلية , ونسجوا حولها أحاديث شتى , وفتاوى عدة .. فقسموا الأحكام إلى مكي أي ما نزل بمكة , ومدني وهو ما نزل بالمدينة , وزعموا أن وضع الناس اليوم يشبه الوضع في مكة من حيث جاهلية المجتمع كله في مواجهة إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه القلائل في مكة ... بل وغالوا في ذلك فزعموا عدم فرضية الحج مثلا وكذلك الزكاة ـ الآن ـ على المسلمين لأن فريضة الحج نزلت في أواخر عهد المدينة ..
اما حسن البنا حينما تكلم عن ( التدرج في الخطوات ) تناول موضوعا آخر مختلفا تمام الاختلاف عن كلام الشهيد سيد قطب .. وقال البنا في احدي رسائله عن التدرج : " وأما التدرج والاعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق الإخوان المسلمين، فذلك أنهم اعتقدوا أن كل دعوة لابد لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج، وكثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلى جنب نظراً لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعاً، فالداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك


  

samedi 9 août 2014

جدتي ... رحمها الله



كلما تذكرت جدتي ... رحمها الله و كل الأشغال التي كانت تقوم بها بلا كلل إلا و تحضر تلك الصورة ، صورة مجموعة من النساء في عمرها يضربن موعدا و يحضرن في يوم معلوم  إلى المنزل  و بالظبط في المدخل أسقيف لإقامة أزطا ، كل ما أتذكره هو عمود أفقي و كريات من شعر المعز و أدوات أخرى بسيطة تستعمل لنسج جلابيب صوفية  كانت واحدة من نصيبي أو أغطية من شعر الماعز.
بحثت كثيرا عن مصدر هذا الإسم ـ أزطا ـ و اكتشفت أنه بإختصار يعني نسج الملابس الصوفية إختص بها الأمازيغ من ليبيا إلى المغرب و تستعمل تقريبا نفس المصطلحات باللغة الأمازيغية .
في الأخير هذا السؤال يفرض نفسهه بإلحاح : كم من أزطا بقي لدينا في أفيان أو حتى في تراب النحيت؟ أما حان الوقت أن نفكر في حفظ كل ما هو مفيد و جميل في الموروث الحضاري و الثقافي لقبيلة إداوزدوت ؟
قراءة ممتعة
خصائص الصوف:
تركيب شعـيرات الصوف: شعيرات الصوف مغطاة بطبقات دقيقة متراكبة في اتجاه واحد. وتحت تأثير الضغـط أو الحرارة أو الرطوبة تتداخل هذه القشور، ويصبح ذو خاصية تراصّـية.
وللصوف خصائص فريدة بالمقارنة مع الأنسجة الطبيعية الأخرى تجعله ملائماً لصناعة الملابس والسجاد في الوقت نفــسه. فهو يمنح الدفء والبرودة، ويقاوم الاحتراق ويخمد الحرائق بسبب احتواه على الكيراتين، ويحتاج عند الأشتعال إلى درجة حرارة مرتفعة، ويحترق ببطء فيثير الدخان ويتفحم مطلقا قدرا ضئيلا من الحرارة، ويتمتع بمرونة عجيبة ويمكن طي خيط الصوف (20 الف) مرة من دون أن ينقطع، ويمتص الروائح والضجيج.
والصوف عازل للحرارة: والسبب في ذلك هو الهواء المحتبس بين الشعيرات، ولذلك يمنح الصوف قدراً كبيراً من الدفء لمرتديه بوزن خفيف نسبياً، إذ أن عدد الشعيرات الذي يلامس الجلد أقل بالمقارنة مع المنسوجات الأخرى. ويحافظ الهواء الحبيس بين الشعيرات على برودة الأجسام أيضاً، إذ يكون طبقة عازلة للحرارة الخارجية.
وبسبب هذه المميزات: أستعمل سكان شمال أفريقيا – منذ آلاف السنين – الصوف على نطاق واسع، ومن المؤكد أن أجدادنا كانوا على علم بهذه الخصائص التي يتميز بها الصوف عن غـيره من الأنسجة، لذلك أستعـملوا العباءة الصوفية لباساً لكل الأوقات، لتعـزل عن أبدانهم الحرارة في الصيف وتمنحهم الدفء في الشتاء.
وهو مناسب للمناخات المختلفة، فيلبسه سكان شواطئ البحر والجبال وبدو الصحراء
الصــــوف والــــــماء:
  والحقيقة أن الصوف هو الأكثر قدرة على امتصاص الماء بالمقارنة مع بقية الأنسجة الطبيعية الأخرى.
يسمح الصوف بمرور الماء خلاله فيمتص التعرق ويطلقه ببطء بواسطة التبخير بحيث لا يشعر المرء ببرودة الشتاء، أما في الصيف فتعطي عملية التبخير إحساسا بالبرودة.
وهو يمنح الدفء حتى ولو كان مبتلا، فشعيرات الصوف تنكمش عند امتصاص الماء فيصبح النسيج أكثف ويمنع مرور الهواء خلاله ويخفض أثار البرودة. ويمتص الصوف الرطوية من الهواء مما يجعله يطلق الحرارة.
وفي النهاية يجب أن لاننسى أن كل هذه المميزات التي خلقها الله في الصوف هي لحماية الحيوان الذي يحمل الصوف فوق ظهره من الطبيعة القاسية
 
أجتماعات النساء لصناعة الصوف وأعداد المسدة:
وتقوم المرأة في جبل نفوسة بدور اقتصادي كبير نشاهده واضح من خلال تخصص النساء في نسج المنسوجات الصوفية والقيام بالأعمال المنزلية الأخرى.
ويعتمد أهل الجبل في صناعة ملبوساتهم وأغطيتهم على أنفسهم حيث كل أسرة يوجد عندها منسج خاص بها داخل البيت و تلبس من إنتاج يدها وتشجع النساء بناتهن على تعلم النسيج في وقت مبكر لأن هناك عادات تجبر الفتاة على تعلم هذه الحرفة مثل تحضير البثات الخاص بالفتيات عند الزواج المتمثل في تحضير بعض المنسوجات بيدها التي تستعمل بعد الزواج لهذا نجد تنافس كبير بين الفتيات على هذه الصناعة.
تعتبر صناعة النسيج من الحرف التي تحتاج إلى عمل جماعي ولا تستطيع المرأة أن تقوم بها بنفسها ولهذا تتعاون نساء فساطو عند إعداد المسدة وتعقد النساء بهذه المناسبة أجتماعات خاصة تبدأ من غسل الصوف وتنتهي عند قطع المنسوج وجميع النساء قديماً كن يمارسن حرفة النسيج ولهذا نجد عملية إعداد الصوف بالطريقة الجماعية كانت عادة تمارسها نساء فساطو وغالباً ما كن يتعاون فيما بينهن لغسل الصوف وللقيام بعملية فلا التي لا تستطيع المرأة الواحدة القيام بها بنفسها، وكانت السيدة التي ترغب في عمل مسدة تدعو جارتها وصديقاتها وتوزع المهام بينهن فعند القيام بغسل الصوف مثلاً تقوم الداعية وليمة غداء لهن وتقوم المدعوات بالقيام بأعمال الصوف المختلفة مثل غسل الصوف وعملية فتح الصوف بعد غسله لتسهيل عمل القرداش.
أما السيدات الكبار في السن كن يساعدنا بنتاهن في عملية النسيج بإعداد الصوف فقط ولهذا يخرجن أثناء القيام بهذا العمل إلى الجيران للترويح عن النفس والعمل في نفس الوقت حيت يجدن مجموعات أخرى من النساء المتقاربات في العمر وبعد الأنتهاء من العمل يرجعن وهناك من يجلسن على المصاطب عند مداخل البيوت في مجموعات للتسلية والعمل وكذلك للقيام ببعض الأمور الخاصة بالنساء.

أدوات صناعة النسيج المستخدمة :
تعتبر صناعة النسيج من الصناعات اليدوية التي تمر بمراحل مختلفة وتحتاج في نفس الوقت إلى عديد من المعـدات والأدوات حتى نحصل على منسوج كامل وجاهز للإستعمال.
يختلف المنسج المستخدم في الساحل عن منسج الجبل – الأول أفقي والثاني عمودي يشبه منسج السجاد، ويستخدم في نسج العباءات الصوفيه الغليظة، أما المنسج الأفقي تنسج عليه العباءات والأردية الخفيفة الحريرية وقد دخل إلى مدينة طرابلس في وقت متأخر أما المنسج العمودي يعتبر أقدم منه لأنه يشبه إلى حد كبير المناسج اليونانية القديمة في طريقة وضعة الرأسية ويتشابه مع المنسج الفرعوني في طريقة تحضيره.
وكانت كل الأدوات المستعملة في صناعة النسيج خشبية ومصنوعة باليد بطريقة بدائية من المغزل إلى الألة الرئيسية للسدى وكان سكان جبل نفوسة يحصلون عليها من محلات صناعة الخشب في طرابلس وهناك بعض الأدوات التي كانت تستورد من تونس. ولا يخلوا بيت أمازيغي من أدوات صناعة الصوف وتقاس قيمة المرأة وتحدد مكانتها في المجتمع عندهم بما تنتجه من منسوجات صوفيه وتعتبرالسيدة التي تمارس مهنه النسيج لها مكانة خاصة في المجتمع ويبدو أن هذا كان سائداً في أغلب الحضارات القديمة. ( النقش الروماني يؤكد ذلك ).

أهم الأدوات المستخدمة في صناعة الصوف:
1 – إيمشوطن (المشاط) : لوحة مستطيلة في أحد طرفيها اسنان حديدية قائمة ، وهو آلة لندف الصوف بعد غسله وتجفيفه ، ليسهل تخليصه من بعضه، ثم يسحب الصوف المندوف من فوق المشط على هيئة ذيول طويلة ناعمة، تعد للفها حول أولفيش ( اللقاط ) ثم تثبت على رأس المغزل الصغير تزضيت.
2 – آقرشال (القرداش) : يستعمل لتسهيل الصوف وعمل ( لقلوم ) وهو عبارة عن لوحتان مربعتا الشكل بكل منهم يد خشبية وهو يشبة فرشة الشعر الحديثة وكل لوحة على حد تسمى فردة، فوق كل منهما يثبت مربع من الجلد مزروعة بها آلاف الأسنان المدببة معقوفة الاتجاه وعند أستخدامه يوضع الصوف فوق أحد الفردات ويمشط بالفردة الثانية أي يوضع بين ظلفيتي القرداش ويسحب العلوي باليد مع تثبيت السفلي على الفخد وبالتالي تتفتح جميع كتل الصوف وتتشذب ونحصل على طبقة رقيقة من الصوف على هيئة مربع بعرض القرداش حيث تلف بكلاتا اليدين بشكل يشبه القلم تسمى ( آقـلـوم – تـقـلومين ).
وقالت الشاعرة الأمازيغية  » ومنين قالوا الشاهى مهناش رميت المغزل والقرداش « .
تتبع سير ( آقلوم ) بعد خروجها من القرداش إلى أن تصبح خيوط جاهزة لعملية النسج:
تستعمل ( القلوم) التي حصلنا عليها من القرداش في إنتاج خيوط الصوف الرقيقة والغليظة أي حسب نوع المغزل المستعمل فإذا أخذنا المغزل الصغير نحصل على الخيوط الرقيقة ( أستو- الجداد ) أما إذا أستعملنا المغزل الكبير نحصل على خيوط غليظة ( أولمان – الطعـمة )
3 – ازضي ( المغـــــزل): وهوعود رقيق في رأسه دائرة من اللوح تسمى ( تاتقالت- النزالة ) وهي نوعان – مغزل صغير لغزل (استو– الجدَّاد) وآخر كبير لغزل الطعمة ( أولمان – الطعمة).

dimanche 3 août 2014

كتاب / الإسلام السياسي و المعركة القادمة Dr. Mostafa Mahmoud

Dr Mostafa Mahmoud by NGhabib 

الله هو الذي يرزقنا ولكنه لا يضع الرزق في أفواهنا ولا يلقي به في حجرنا .. وإنما علينا السعي وعليه التوفيق ..
" فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ "
حتى سيدنا أيوب المريض بمرض مزمن وقاتِل قال له ربه :
...
" ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ "
حتى مريم العذراء التي كانت في آلام المخاض قال لها :
" وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً "
فهو سبحانه لم يلق بالرطب في حجرها .. وإنما قال لها وهي في آلام المخاض "
" وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ "
فالسعي مطلوب ..
~~
كتاب / الإسلام السياسي و المعركة القادمة
Dr. Mostafa Mahmoud


بورقيبة والإسلام.. الزعامة والإمامة



بورقيبة.. أتاترك المغرب العربي
- بورقيبة وموقفه من جامع الزيتونة


خالد الحروب: أهلا بكم إلى هذه الحلقة من برنامج الكتاب خير جليس حيث نطالع معكم أربعة كتب، الثلاثة الأولى نستعرضها استعرضا سريعا ونتوقف عند رابعها بتوسع مع ضيوفنا في الأستوديو، الكتاب الأول عنوانه الحركة الكردية المعاصرة دراسة تاريخية وثائقية وهو من تأليف الدكتور عثمان علي ويقدم فيه وفي أكثر من ثمانمائة صفحة تأريخاً توثيقيّا للقضية الكردية منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين ويعتمد في ذلك على عدد كبير من الوثائق الغربية وأرشيفات وزارات الاستعمار والخارجية في الحِقب المعنية وفيه نقرأ عن موقع الكرد في الصراع الروسي العثماني.
 ثم الصراع العثماني البريطاني وقيام الحكومات الكردية المتعاقبة واندلاع الثورات والجهود الدائمة لتحقيق استقلال كردستان، ثم تقسيم الإقليم بين تركيا والعراق وسوريا وإيران وفقا للاتفاقيات الدولية وخاصة في محادثات لوزان للسلام عام 1923، الكتاب الثاني عنوانه سوريا من منظور مختلف وهو من تأليف خلدون زريق وشريف رفاعي ورانيا سمارة وآخرون وكما يشير العنوان يحاول الكتاب تسليط الضوء على جوانب لا يتم الاهتمام بها في الوقت الراهن، لكنها تقدم صورة مختلفة عن سوريا فبعيدا عن السياسة والحرب وطبولها، يهتم جزء من الكتاب بالإبداع الأدبي ويعالج مثلا إنتاجات محمد الماغوط ونزار قباني وسليم بركات وزكريا تامر وسعد الله ونوس وغيرهم وفي نفس الوقت يتناول بإيجاز موقع سوريا في النظام الإقليمي الجديد في ضوء الاحتلال الأميركي للعراق ويتحدث كذلك عن مشروعات الإصلاح الاقتصادي المطروحة فضلا عن تحليله لصورة سوريا في الإعلام العربي وسلبيتها.

 أما الكتاب الثالث فهو عن السعودية وعنوانه العربية السعودية في الحرب وهو بالفرنسية من تأليف أنطوان بصبوص، يقول الكتاب إن النظرة إلى السعودية في الغرب بعد إرهاب الحادي عشر من سبتمبر حُكمت بتنميط يقول إنها أرض تنتج الإرهاب وأن تلك النظرة اختلط فيها التحليل العلمي بالأحكام السابقة والتشويه، يحاول المؤلف في هذا الكتاب عقلنة التحليل والنظرة بعمق إلى تكوين الواقع السعودي من دون إهمال البنية التاريخية التحالفية بين العرش والمؤسسة الدينية الوهابية، لكن من دون الوقوع في أسر التبسيطية التي تستند إلى هذا التحالف في تفسير كل ما له علاقة بالسعودية، أما الكتاب الرابع الذي نناقشه مع ضيوفنا هنا في الأستوديو فعنوانه بورقيبة والإسلام الزعامة والإمامة وهو من تأليف الكاتب التونسي لطفي حجي، يناقش الكتاب السؤال الكبير الذي قسم الرأي العام إزاء بورقيبة وهو فيما إن كان المجاهد الأكبر اللقب الرسمي لبورقيبة مجددا للإسلام أم خصما له وهل كانت اجتهاداته في حظر تعدد الزوجات وفي تحديث التعليم وتقليص دور التعليم الديني وتقليص موقع جامع الزيتونة تنطلق من الدين أم أنها خارجة عليه، لمناقشة الكتاب أستضيف في الأستوديو المؤلف الكاتب الأستاذ لطفي حجي من تونس فأهلا وسهلا به أهلا وسهلا لطفي.
لطفي حجي- كاتب تونسي: أهلا بك أهلا وسهلا.
خالد الحروب: كما استضيف الكاتب الأستاذ عبد الوهاب بدرخان نائب رئيس تحرير جريدة الحياة في لندن والمتابع للشأن التونسي، فأهلا وسهلا به أيضا، أهلا وسهلا عبد الوهاب.
عبد الوهاب بدرخان- نائب رئيس تحرير جريدة الحياة في لندن: أهلا.

خالد الحروب: لطفي، إذا بدأنا معك عن ماذا يدور الكتاب؟
"الكتاب يعتبر محاولة لإعادة قراءة علاقة بورقيبة بالإسلام، حيث لم تكن علاقة عادية، بل كانت علاقة مركبة وهو ما جلب له الكثير من الخصوم والانتقادات"لطفي حجي
لطفي حجي: الكتاب هو محاولة لإعادة قراءة علاقة بورقيبة بالإسلام، لأن علاقته لم تكن علاقة عادية، كانت علاقة.. إن شئنا علاقة مركبة وعلاقة معقدة، هو لم يترك الإسلام وشأنه وإنما حاول منذ الأيام الأولى للاستقلال أن يبدي رأيا أو يبدي قراءة جديدة في الإسلام، هذه القراءة لم تتركه سالم بل جلبت له الكثير من الخصوم، الكثير من الانتقادات من تونس وخارجها وجعلته ينعت في العالم العربي الإسلامي على أساس أنه أتاترك المغرب العربي ومنهم من ذهب إلى حد تكفيره، يعني هذه العلاقة رأيت بعد هذه المسافة الزمنية التي أصبحت تفصلنا عن بورقيبة رأيت إنها جديرة بإعادة..
خالد الحروب [مقاطعاً]: النظر إليه..
لطفي حجي [متابعاً]: القراءة انطلاقا من النصوص التأسيسية أي من الخطب ومن الخطاب البورقيبي ذاته بعيدا عن الإشاعات، لأنه في كثير من الأحيان كثير من الإشاعات أو من النعوت تصبح وكأنها..
خالد الحروب: سوف نأتي لها لطفي يعني.. تقريبا إشاعة أو تهمة، لكن عبد الوهاب بدرخان أين تمُوضع هذا الكتاب في إعادة فهم أو تأهيل ربما بورقيبة؟
عبد الوهاب بدرخان: أعتقد بأن الكتاب فيه جهد وجدية كبيرين وبالتالي يعطي فكرة جيدة عن الموضوع، كما أنه لا يمكن قراءة هذا الكتاب الذي فيه كثير من الإنصاف سواء لبورقيبة أو لخصومه والانتقادات التي وجهت إليه ولكن لا يمكن قراءة الكتاب إلا بإسقاطه على الواقع.. يعني المعركة بين بورقيبة والإسلام، بين بورقيبة والمؤسسة التعليمية المستندة للإسلام، مؤسسة القضاء المستندة للإسلام، بورقيبة والمرأة، كل ذلك هو من المواضيع التي.. المطروحة عام 2005 بينما هو يعني كان يواجهها في منذ منتصف الخمسينات وخصوصا في الستينات، إذاً بهذا المعنى الكتاب مهم لمعرفة معركة رئيس دولة، رئيس دولة كان متأثرا بالغرب وكان واجه باكرا جدا موضوع الإصلاح، يعني قبل أن يواجهه أي حاكم آخر.
خالد الحروب: نعم، هذا الإصلاح لطفي إذا سمحت تَذكر في الفصل الأول ثم الفصل الثاني ومحاولة النظرة إلى بورقيبة هل كان مثلا علمانيا هل كان أتاتركيا وتقول أن الإصلاحات التي اقترحها.. اقترحها من داخل الدين وعلى مربع الدين وهذا هو الفرق الأساسي بينه وبين أتاترك، فسر لنا ذلك.
لطفي حجي: هناك بالفعل فرق كبير بين بورقيبة وأتاترك على الرغم من القول السائد بأن بورقيبة هو أتاترك المغرب العربي، يعني بورقيبة مثلا انتقد أتاترك انتقادا شديدا في مسألتين اثنتين، المسألة الأولى هي في موقفه من الدين، اعتبر صراحةً أن إلغاء أتاترك للدين هو خطأ شنيع وقال هذا في خطاب شهير بسنة 1965 في أنقرة وكاد أن يتسبب في أزمة دبلوماسية مع تركيا لأن نقد أتاترك في تركيا يعتبر من الكبائر، النقطة الثانية في الخلافية وهي ربما غير معروفة كثير لدى الناس والباحثين هو أن بورقيبة انتقد موقف أتاترك من حل الخلافة الإسلامية، يعني وهذه قد تستغرب من بورقيبة لكن انتقد باعتبار أنه كونه الرجل المريض من المفروض أن نداويه أحسن من أن نقتله، لأن الخلافة بالنسبة إليه هي خيط جامع للمسلمين من المفروض أن نطورها، يعني كان هناك خلاف شديد بين بورقيبة وأتاترك، أتاترك ألغى الدين في حين أن بورقيبة أراد أن يوظف الدين بطريقته الخاصة.
خالد الحروب: نعم، نبني على هذا عبد الوهاب ما رأيك أولا في هذه المسألة إنه هل كان أتاترك تونس بورقيبة؟ والسؤال الآخر أيضا مرتبط بمناقشة عميقة طرحها لطفي في الكتاب تقول أن هذه الاجتهادات.. اجتهادات بورقيبة تقريبا هي استمرار لحركات الإصلاح والاجتهاد في الإسلام وليست خارجة عنه أو مفروضة عليه أو تريد أن تنحيه من الفضاء العام؟
عبد الوهاب بدرخان: صحيح، يعني هو يختلف عن أتاترك بشكل بشيء أساسي، إن بروقيبة نفسه ليس عسكريا ويعني حاذر طوال عهده أن يجعل من العسكر نوع من بديل في الحكم أو إنه يعطيهم دور أساسي، دائما كان العسكر في المستوى الثاني، ربما..
خالد الحروب: لكن ربما يقول قائل كان يعني في النهاية كانت دولة أمنية وكانت دولة بوليسية وليس فرق كبير يعني فيها.
عبد الوهاب بدرخان: نعم يعني كانت دولة جندرما وليست دولة عسكرية والأمر الآخر هو أن بورقيبة كان متأثرا أكثر بالثقافة الفرنسية، بمعنى أنه لا يريد أن.. لا يؤمن بإبادة شيء بمعنى أنه وهنا يعني هو علماني بالمعنى الطهوري أو بالمعنى الأساسي للعلمانية، أنه.. طبعا هو يريد أن يجدد، يريد أن يحيد الإسلام قليلا عن تطوير الحياة المدنية ولكن في نفس الوقت لا يريد أن يقتل هذا الدين أو أن يتجاهله وهو ما فعله أتاترك وعلى أي حال الأحداث أثبتت بعد بضعة عشرات من العقود أن أتاترك نفسه كان مبالغا في موضوع الدين، لأن الدين عاد فأخذ مكانه في المجتمع، يعني الموضوع الآخر الذي يختلف فيه عن أتاترك أنه أراد أن يؤسس إصلاحا على أساس حقائق المجتمع وليس على بالتمرد على حقائق المجتمع.
خالد الحروب: نعم تفضل.
لطفي حجي: يعني في هذا السياق بورقيبة استطاع أن يوظف ثلاث عناصر أساسية، يعني استيعابه لفكر عصر الأنوار الغربي باعتبار أن بورقيبة درس في مطلع القرن العشرين في الغرب وكان في فترة حساسة كانت فيه حركية سياسية وفكرية كبيرة استطاع أن يستعيبها هذه النقطة أفادته كثير، ثاني شيء هو أنه كان على إطلاع بالتاريخ الإسلامي، إطلاع دقيق وبمدارسه الفكرية وبالخلافات التي كانت سائدة ولم يحصر نفسه في تيار أو مذهب بعينه بل استوعب هذه التيارات، النقطة الثالثة والتي ربما لم يفعلها أحد غيره من الحكام العرب هو أنه وظف جهاز الدولة لتحقيق هذا التمازج بين الفكر الإسلامي وبين فلسفة عصر الأنوار، كان معه جهاز دولة في بعض الأحيان استعمله بصفة قصرية تعسفية لتحييد خصومه لكن وظفه.
خالد الحروب: لنبدأ بجهاز.. نعم، لطفي لنبدأ كيف استخدم جهاز الدولة بهذا الفصل وبدايات إقرار مجلة الأحوال الشخصية القضية الخلافية الأكبر حظر تعدد الزوجات بعد ثلاث أشهر كما تذكرون من استقلال تونس أقر هذه اللائحة القانونية التي منعت التعدد وهي تذكر هنا أيضا في الكتاب أنه ليس الموقف الأول سبقه الطاهر حداد ومحمد عبده، عدنان الفاسي في أيضا تقريبا تبني نفس الموقف إزاء التعدد، ما هي مركزية هذا التوجه في الفكر التجديدي بين قوسين لبروقيبة إزاء حظر تعدد الزوجات؟
لطفي حجي: شوف، هو الفكر البورقيبي في علاقته بالإسلام كان يقوم على مبدأ أساسي هو مبدأ التوظيف، توظيف الإسلام يعني.. ووظفه بطريقتين مختلفتين، الطريقة الأولى كانت في بداية في عهد الاستعمار مرحلة الكفاح الوطني أو التحرير الوطني في هذه المرحلة لم يريد بورقيبة أن يدخل في صدام أو في صراع مع الفهم الديني السائد بل بالعكس برز كسلفيين كتقليديين دافع عن كل القيم وكل المواقف الموجودة دافع عن الحجاب، دافع عن ما نسميه نحن في تونس الشاشية.. القابوس الذي يغطي الرأس وكان يدافع عن هذه العناصر بعتبرها رمز الهوية التونسية ويعتقد أن المس بهذه الهوية يعني ذوبان التونسي في المستعمر، في هذه المرحلة كان هناك نوع من التناغم بينه وبين المؤسسة التقليدية في بناء الدولة الوطنية، تغير موقفه واصبح يريد أن يحقق مجموعة من الأفكار التي يتبناها..
خالد الحروب: التي أسميتها أنت في الكتاب معركة ضد التخلف، معركة ما بعد الاستقلال..
لطفي حجي: نعم، كان يسميها الجهاد الأكبر كان يستعمل حتى مصطلحات دينية، معركة التنمية بالنسبة إليه يسميها الجهاد الأكبر ليقترب من أذهان الناس، فبدأ مجموعة من القوانين الجديدة كانت أولها قانون الأحوال الشخصية الذي حذر بموجبه التعدد الزوجات وحتى في هذا بغض النظر عن الموقف الديني، يعني هناك مثلما تعرف اجتهادات وهناك مواقف لكن بغض النظر عن الموقف الديني حتى في هذه القضية انطلق من المفهوم الديني ومن التفسير السائد في الدين
خالد الحروب: وحاول أن يجد لها تفسيرات يمكن
لطفي حجي: وتبرير من نوع {ولَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ ولَوْ حَرَصْتُمْ} إلى غير ذلك وهي فتاوى وجدت في تراثنا العربي الإسلامي لم تكن الأولى..
خالد الحروب: نتابع أيضا ما زلنا في موضوع المرأة لكن بعد هذا التوقف، مشاهدينا الكرام نتواصل معكم بعد هذا التوقف القصير.

[فاصل إعلاني]
خالد الحروب: مشاهدينا الكرام مرحبا بكم ثانية نواصل معكم نقاش كتاب اليوم بورقيبة والإسلام الزعامة والإمامة، عبد الوهاب نحن الآن أمام الفصل الذي يتحدث عن موقف بورقيبة تجاه جامع الزيتون وهناك طبعا تهمة كبيرة ضد بورقيبة بأنه دمر الدور التقليدي للتعليم الديني ولجامع الزيتونة، ما رأيك في هذا الفصل استنادا إلى تلك التهمة؟
"تطلع بورقيبة للتعليم في البلاد فوجده برعاية جامع الزيتونة وكان متخلفا وليس فيه علوم حديثة تواكب العصر، فعندما حاول فك التعليم عن الزيتونه اصطدم بعلماء الدين"عبد الوهاب بدرخان
عبد الوهاب بدرخان: يعني من موضوع المرأة إلى موضوع جامع الزيتونة الذي يمكن اختصاره بموضوع التعليم والتربية، واضح أنه حاكم مهووس بالإصلاح والتنمية في بلد صغير ليست فيه موارد، أصبح ينظر أين هي العناصر التي يمكن أعتمد عليها بسياق التوظيف الذي تكلم عنه لطفي، نصف المجتمع معطل، المرأة معطلة تقريبا تعدد الزوجات ماذا يعني.. كان يعني أن هناك كثير من الرجال ليس لديهم القدرة ولكنهم كانوا يعددون الزوجات، إذاً هذا مخالف للدين، بعدين تطلع إلى التعليم وهو يريد أن ينمي القدرة البشرية الموجودة في البلد، وجد أن التعليم برعاية جامع الزيتونة كان متخلفا جدا ومتخلفا على العصر ليس فيه علوم حديثة، ليس فيه تنظيم كان السياق واضحا، ثم أنه عندما سنتكلم لاحقا ربما عن موضوع القضاء فهذا يعني أن هناك سلسلة مترابطة كان كلها يصل بينها جميعا الدين وبالتالي يعني اصطدام بورقيبة مع الدين حتمية، لأن الإصلاح كأن لم يكن كان لابد أن يمر..
خالد الحروب: اسأل لطفي أيضا وأطلب منك إذا سمحت الإشارة إلى بعض ما أشرت إليه هنا في هذا الفصل لأنه فصل مهم، مِن أن مثلا نقمة بورقيبة على جامع الزيتونة تاريخية أيضا بسبب موقف بعض العلماء التخاذلي إزاء الحماية الفرنسية، إزاء مثلا الصراعات العائلية.. عائلة العاشور، النيفر إلى آخره وهناك أيضا صراعات ريفية، كل هذا داخل هذه المؤسسة التي عندها رومانسية أحيانا جذابة عند من هم خسروه.
لطفي حجي: ما ذكرت هي عناصر وظفها فيما بعد بورقيبة في محاججته لمشايخ الإسلام الذين دافعوا عن جامع زيتونة، لكن الموقف من جامع الزيتونة هو يأتي ضمن الصراع الذي كان سائدا سواء في تونس أو في العالم العربي الإسلامي بين رغبة الإصلاح وإرادة المحافظة إن شئنا، يعني هناك مؤسسة زيتونية تعليمية صحيح أنها لعبت دورا كبيرا في الماضي وكانت بمثابة المنارة العلمية التي يحج إليها من جميع أقطار العالم الإسلامي، إلا أنها تعثرت في فترة من الفترات وأصبحت مطالب الإصلاح من داخل الزيتونة نفسها، إلا أن المشايخ المؤثرين والفاعلين والماسكين بزمام هذه المؤسسة تغافلوا عن دعوات الإصلاح، فتآكلت المؤسسة من الداخل وأصبحت قابلة للانهيار أو يصدق عليها ما سماه المفكر الجزائري المعروف مالك بو لبيب القابلية.. الاستعمار في سياق آخر، هذه أصبحت قابلة للانهيار فبمجرد أن جاء بورقيبة وأراد أن يطورها انهارت هذه المؤسسة وهناك خطأ شائع في العالم العربي الإسلامي، أن بورقيبة دمر جامع الزيتونة وأغلق الزيتونة إلى غير ذلك وهذا غير صحيح لأن بورقيبة نقل التعليم الديني من فضاء المسجد إلى فضاء كلية عصرية وأدخل فيه مجموعة من المواد الحديثة مثل اللغات، مثل التاريخ، مثل العلوم الإنسانية التي كانت مطلبا لطلبة الجامع ولعدد من مشايخ الجامع منذ نهاية القرن التاسع عشر في تونس لكن لم يستمع إليها.
خالد الحروب: نعم، إذا انتقلنا إلى المعركة.. إحدى المعارك الكبرى ربما المعركة الأكبر وهي معركة الصوم مع بورقيبة وأنت هنا تذكر في الكتاب أن هذه كانت الحلقة الأضعف في علاقة بورقيبة بالإسلام ودعني اقتبس الحقيقة هنا في صفحة 92 شيء مهم، أنه اعتمد في تبريره إلى ذلك على أن هذا جهاد.. العمل هو جهاد وإذا الصوم عاق العمل فيجوز الإفطار وأحيانا ربما يجب واستند أو أشار إلى فتوى طه بن عاشور سنة 1939 التي أجازت الإفطار للجنود التوانسة الذين كانوا يخدمون في الجيش الفرنسي، فقال إذا كان جائز أمام.. خلال الحماية الفرنسية فلا يجوز خلال العمل والبناء وإلى غير ذلك عبد الوهاب تعليقك؟
عبد الوهاب بدرخان: وهو استند هون كمان لإجازة الرسول للمسلمين الإفطار قبل فتح مكة، يعني استند لمسألتين ولكن في هذا الموضوع اعتقد أنه كان أتاتوركيا متهورا، يعني حتى في الدول العلمانية لا أحد يستطيع أن يفرض على الناس أن يصوم أو لا يصوم وهذا التقليد يعني بينه وبين ربه، اعتقد أنه كان من الأخطاء الفادحة التي أرتكبها بورقيبة ولم يكن لها لزوم بالحقيقة لأنه لم يكن قادرا على كسر تقليد عمره كذا قرن يعني ثلاثة عشر أو أربعة عشر قرن يعني.
لطفي حجي: هي سميتها الحلقة الأضعف لأنها اتسمت بقدر كبير من الاستفزاز، ما كان هناك داعي أن يشرب بورقيبة كأس من الماء أو كأس من العصير في اجتماع عام كانت تنقله الإذاعة ويشرب أمام الناس يعني في استفزاز لمشاعر المسلمين، لذلك صب الناس غضبهم على بورقيبة في هذه المسألة.. يعني هو فقد الكثير من شرعيته التاريخية التي كان يحظى بها لدى الناس، لكن بورقيبة مثلما تفضل الأستاذ عبد الوهاب فسر هذه.. دعوته فسرها بأنها نوع من العمل ما نسميه بقياس الشاهد على الغائب، قاسها بالرسول أمر الرسول أصحابه في الفترات الصعبة بالإفطار لأنه يعتبر تونس في مرحلة جهاد والجهاد الأكبر يتطلب منهم الإفطار، لكن في هذه كان هناك نوع من الاستفزاز مثلما ذكرت، لكنه حتى في هذه النقطة تعامل معه تعاملا سياسيا برجماتيا، ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه لما وجد ردود الأفعال كبيرة وعنيفة تجاه ما أقدم عليه..
خالد الحروب: تراجع عن هذا الموقف..
لطفي حجي: وأمره بعض أصدقائه المقربين بأن يتراجع..
خالد الحروب: أو طلبوا منه..
لطفي حجي: طلبوا منه نعم، تراجع عن موقفه في ظرف أشهر وجيزة وألقى خطاب جديد قال أنا لم أقل لكم أن الصوم ليس واجب هو واجب وسيبقى واجب إلى قيام الساعة.
خالد الحروب: نعم، لطفي إذا انتقلنا إلى مجموعة من التحليلات التي تذكرها إزاء لماذا فشل المشروع البورقيبي؟ يعني هذا الجهد وهذه نوايا الإصلاح باستخدام جهاز الدولة ومحاولة الاعتماد على التأويلات الدينية وشرعنة كل السياسة، مع ذلك كما تقول في الكتاب لم ينجح هذا المشروع، أسأل عبد الوهاب يذكر هنا لطفي عدة أسباب منها شخصية بورقيبة ربما الديكتاتورية غير ذلك، لماذا لم ينجح هذا المشروع وفق ما قرأت؟
عبد الوهاب بدرخان: لأن بورقيبة يعني كان يطرح الأفكار ولم يكن يتصرف كجمهوريا بالمعني الحقيقي، يعني كان معتبرا نفسه وكأنه مرشد للثورة وليس شخصا يعمل وبالتالي لم يعتمد على مؤسسات لم يجتهد كثيرا لإيجاد هذه المؤسسات، اعتقد أيضا أن النخبة التونسية التي كانت قريبة جدا من أفكاره لم تكن أيضا لديها قابلية العمل لتطوير هذه الأفكار أو لجعلها مشروعا وطنيا يجتهد الجميع في تجسيده في الحياة اليومية، هناك أيضا ناحية أنه فعلا كما قلت أنا أنه لم يعسكر النظام ولكنه اعتمد كثيرا على الجهاز الأمني وبالتالي الخلافة الوحيدة التي جاءت بعده كانت خلافة تقريبا عسكرية.. يعني أنه أعطى الحكم بعدين لعسكري، إذاً عدم وجود مؤسسات عدم وجود واقعية في الطروحات.. يعني لماذا الذهاب إلى(Extreme) يعني إلى الأقصى..
خالد الحروب: الأقصى نعم..
عبد الوهاب بدرخان: هناك خطوة.. خطوة يمكن أن تنفذ والمجتمع كان لديه قابلية في ذلك الوقت لأنه كان يرى في هذا الرجل أنه يطرح الأفكار الصحيحة، يطرح المشاكل الصحيحة ولكنه لا يعتمد الحلول الصحيحة، عناصر كثيرة أهمها اعتقد أنه لم يستطع لا أن يخلق النخبة التي تواكبه في العمل وفي نفس الوقت لم يعني.. لم يركز على أمر واحد يشكل عنوان إصلاحي..
لطفي حجي: هو في هذه النقطة لو سمحت أستاذ خالد..
خالد الحروب: أسأل لطفي أو أنت تقول هنا ربما تضخم الأنا البورقيبية كان يقول أنا النظام..
لطفي حجي: هو في هذه النقطة في تضخم الأنا البورقيبية.. يعني الثغرة التي يعني أضعفت هذا المشروع، هي ما سميته في الكتاب بدولنة الدين، يعني بورقيبة اعتبر أن الدولة والدولة هو.. في بعض الأحيان يقول الدولة أنا الدولة هو، الدولة هي الوحيدة التي لها الحق أن تتحدث باسم الدين، أن تفتى في الدين باعتبارهم في بعض الأحيان يقارنوا رئيس الدولة بأمير المؤمنين الذي لا يحق له الاجتهاد في الدين والدولة هي التي تعين الأئمة وتعطى أجورهم إلى غير ذلك، فهذه الدولنة المفرطة التي هي عكس العلمانية.. يعني هو أقام علمانية معكوسة، هذه العلمانية المعكوسة هي التي جعلت بورقيبة.. يعني مشروعه يكون محدود في هذه المسائل ولم تطور النخبة المستنيرة النخبة الإصلاحية التي يمكن أن تواصل هذا المشروع حين ذلك.
خالد الحروب: نقطة إذا سمحت لأنه شيء مهم، أنت في صفحة 173 تقول أن هذا الفشل كان ضده أو الاستراتيجية الأسلم التي كان من المفترض تبنيها كانت تتطلب ترتيبا أفضل للفضاء الديني يسمح له بالتعامل مع رؤيته بطريقة أسلم، ماذا تقصد؟ فيها قدر من الغموض يعني ترتيب أفضل للفضاء الديني.
لطفي حجي: ترتيب الفضاء الديني يعني إخراجه من هيمنة الدولة، لأنه إذا كان أنت تعيب على الناس أن يحتكروا القول أو الحديث باسم الإسلام، لا يمكن للدولة أن تحتكر هذا الحديث بالإسلام، نحن بحاجة إلى نخب إلى مؤسسات إلى هيئات تكون هي الضمانة لهذه.. بين قوسين لهذه الاستقلالية الدينية إن شئنا حتى تنتج المعنى باستمراره ولا يقف المعني ولا يقف الإصلاح بمجرد ذهاب الزعيم الملهم أو ذهاب الشخص الذي يعتقد أن له القول والفصل في الدين وهذا ما عجزنا عنه إلى حد الآن.
خالد الحروب: شكرا لطفي شكرا جزيلا وشكرا لكم مشاهدينا الكرام وكنا معكم في نقاش كتاب اليوم بورقيبة والإسلام الزعامة والإمامة من تأليف الكاتب التونسي لطفي حجي الذي كان في الأستوديو وأشكره على حضوره ومشاركته، كما أشكر الأستاذ عبد الوهاب بدرخان نائب رئيس تحرير جريدة الحياة في لندن وأشكر منتج البرنامج الزميل عبد المعطى الجعبة وإلى أن نلقاكم الأسبوع المقبل تحية ودمتم بألف خير.


بورقيبة وسرّ باخرة الأول من يونيو

 









 




 .